سورة المائدة - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {أوفوا بالعقود} يعني بالعهود، ما أحل الله وما حرم، وما فرض وما حدَّ في القرآن كله، لا تغدروا ولا تنكثوا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {أوفوا بالعقود} أي بعقد الجاهلية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أوفوا بعقد الجاهلية، ولا تحدثوا عقداً في الإسلام».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أوفوا بالعقود} قال: بالعهود، وهي عقود الجاهلية الحلف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن عبيدة قال: العقود خمس: عقدة الإيمان، وعقدة النكاح، وعقدة البيع، وعقدة العهد، وعقدة الحلف.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال: العقود خمس: عقدة الإيمان، وعقدة النكاح، وعقدة البيع، وعقدة العهد، وعقدة الحلف.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقِّه أهلها، ويعلمهم السنة، ويأخذ صدقاتهم، فكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم، أمره بتقوى الله في أمره كله {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} [ النحل: 128]، وأمره أن يأخذ الحق كما أمره، وأن يبشر بالخير الناس، ويأمرهم به الحديث بطوله.
وأخرج الحرث بن أبي أسامة في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدوا للحلفاء عقودهم التي عاقدت أيمانكم. قالوا: وما عقدهم يا رسول الله؟ قال: العقل عنهم، والنصر لهم».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مقاتل بن حيان قال: بلغنا في قوله: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يقول: أوفوا بالعهود، يعني العهد الذي كان عهد اليهم في القرآن فيما أمرهم من طاعته أن يعملوا بها، ونهيه الذي نهاهم عنه، وبالعهد الذي بينهم وبين المشركين، وفيما يكون من العهود بين الناس.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ان نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: يعني الإبل والبقر والغنم قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الأعشى وهو يقول:
أهل القباب الحمر والن *** عم المؤثل والقبائل
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ابن المنذر عن الحسن في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: الإبل، والبقر، والغنم.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس. أنه أخذ بذنب الجنين، فقال: هذا من بهيمة الأنعام التي أحلَّت لكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: ما في بطونها. قلت: إن خرج ميتاً آكله؟ قال: نعم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قال: الأنعام كلها {إلا ما يتلى عليكم} قال: إلا الميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {أحلَّت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} قال: {الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به} [ المائدة: 3] إلى آخر الآية فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إلا ما يتلى عليكم} قال: إلا الميتة وما ذكر معها {غير محلي الصيد وأنتم حرم} قال: غير أن يحل الصيد أحد وهو محرم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أيوب قال: سئل مجاهد عن القرد أيؤكل لحمه؟ فقال: ليس من بهيمة الأنعام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: الأنعام كلها حل إلا ما كان منها وحشياً فإنه صيد، فلا يحل إذا كان محرماً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إن الله يحكم ما يريد} قال: إن الله يحكم ما أراد في خلقه، وبين ما أراد في عباده، وفرض فرائضه، وحدَّ حدوده، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله: {لا تحلوا شعائر الله} قال: كان المشركون يحجون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله: {لا تحلوا شعائر الله} وفي قوله: {ولا الشهر الحرام} يعني لا تستحلوا قتالاً فيه {ولا آمين البيت الحرام} يعني من توجه قبل البيت، فكان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعاً، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحداً يحج البيت، أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر، ثم أنزل الله بعد هذا {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [ التوبة: 28] وفي قوله: {يبتغون فضلاً} يعني أنهم يترضون الله بحجهم {ولا يجرمنكم} يقول: لا يحملنكم {شنآن قوم} يقول: عداوة قوم {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: البر. ما أمرت به {والتقوى} ما نهيت عنه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم، والهدي ما لم يقلدوا القلائد مقلدات الهدي {ولا آمين البيت الحرام} يقول: من توجه حاجاً.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {لا تحلوا شعائر الله} قال: مناسك الحج.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {لا تحلوا شعائر الله} قال: معالم الله في الحج.
وأخرج ابن جرير وابن المنذرعن عطاء أنه سئل عن شعائر الحج فقال: حرمات الله اجتناب سخط الله واتباع طاعته، فذلك شعائر الله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن قتادة في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام} قال: منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد، واذا تقلد بقلادة شعر لم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمر الله أن لا يقاتل المشركون في الشهر الحرام ولا عند البيت، ثم نسخها قوله: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [ التوبة: 5].
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: نسخ منها {آمّين البيت الحرام} نسختها الآية التي في براءة {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر} [ التوبة: 17] وقال: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [ التوبة: 28] وهو العام الذي حج فيه أبو بكر بالآذان.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {لا تحلوا شعائر الله...} الآية. قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...} [ التوبة: 5].
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك. مثله.
وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم، فنزلت {لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد}.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {لا تحلوا شعائر الله} قال: القلائد. اللحاء في رقاب الناس والبهائم أماناً لهم، والصفا والمروة والهدي والبدن كل هذا من شعائر الله قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم «هذا كله عمل أهل الجاهلية فعله وإقامته، فحرم الله ذلك كله بالإسلام إلا اللحاء القلائد ترك ذلك».
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في الآية قال: أما القلائد. فإن أهل الجاهلية كانوا ينزعون من لحاء السمر فيتخذون منها قلائد يأمنون بها في الناس، فنهى الله عن ذلك أن ينزع من شجر الحرم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: {ولا الشهر الحرام} قال: هو ذو القعدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: «كان رسول الله ص بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت، وقد اشتد ذلك عليهم، فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا، فأنزل الله: {ولا يجرمنكم....} الآية».
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: «أقبل الحطم بن هند البكري حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاه فقال: إلام تدعو؟ فأخبره، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة يتكلم بلسان شيطان، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال: انظروا لعلي أسلم ولي من أشاوره، فخرج من عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقب غادر»، فمر بسرح من سرح المدينة، فساقه ثم أقبل من عام قابل حاجاً قد قلد وأهدى، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، فنزلت هذه الآية حتى بلغ {ولا آمين البيت الحرام} فقال ناس من أصحابه: يا رسول الله خلِّ بيننا وبينه فإنه صاحبنا. قال: أنه قد قلد! قالوا: إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية، فأبى عليهم، فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: قدم الحطم بن هند البكري المدينة في عير له تحمل طعاماً، فباعه ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وأسلم، فلما ولى خارجاً نظر اليه فقال لمن عنده «لقد دخل عليَّ بوجه فاجر وولى بقفا غادر، فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام، وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة، فلما سمع به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تهيأ للخروج اليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره، فأنزل الله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} الآية. فانتهى القوم».
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولا آمين البيت الحرام} قال: هذا يوم الفتح، جاء ناس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة، فقال المسلمون: يا رسول الله، إنما هؤلاء مشركون، فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم، فنزل القرآن {ولا آمين البيت الحرام}.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً} قال: يبتغون الأجر والتجارة حرم الله على كل أحد إخافتهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً} قال: هي للمشركين يلتمسون فضل الله ورضواناً نماء يصلح لهم دنياهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: خمس آيات في كتاب الله رخصة وليست بعزمة {وإذا حللتم فاصطادوا} إن شاء اصطاد وإن شاء لم يصطد {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} [ الجمعة: 10]. {أو على سفر فعدة من أيام أخر} [ البقرة: 184] {فكلوا منها وأطعموا} [ الحج: 28].
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: خمس آيات من كتاب الله رخصة وليست بعزيمة {فكلوا منها وأطعموا} [ الحج: 28] فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل {وإذا حللتم فاصطادوا} فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل {ومن كان مريضاً أو على سفر} [ البقرة: 184] فمن شاء صام ومن شاء أفطر {فكاتبوهم إن علمتم} [ النور: 33] إن شاء كاتب وإن شاء لم يفعل، {فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا} [ الجمعة: 10]، إن شاء انتشر وإن شاء لم ينتشر.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: لا يحملنكم بغض قوم.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: {ولا آمين البيت الحرام} قال: الذين يريدون الحج {يبتغون فضلاً من ربهم} قال: التجارة في الحج {ورضواناً} قال: الحج {ولا يجرمنكم شنآن قوم} قال: عداوة قوم {وتعاونوا على البر والتقوى} قال: البر. ما أمرت به، والتقوى. ما نهيت عنه.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد في هذه الآية والبخاري في تاريخه عن وابصة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع شيئاً من البر والإثم إلا سألته عنه، فقال لي «يا وابصة أخبرك عما جئت تسأل عنه أم تسأل؟ قلت: يا رسول الله أخبرني! قال: جئت لتسأل عن البر والاثم، ثم جمع أصابعه الثلاث فجعل ينكت بها في صدري، ويقول: يا وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر: ما اطمأن اليه القلب واطمأنت اليه النفس، والإثم: ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي في الشعب عن النوّاس بن سمعان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال: «ما حاك في نفسك فدعه قال: فما الإيمان؟ قال: من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن».
وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن مسعود قال: الإثم حوّاز القلوب.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: الاثم حوّاز القلوب، فإذا حز في قلب أحدكم شيء فليدعه.
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإثم حوّاز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع».
وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل ينعش لسانه حقاً يعمل به إلا أجرى عليه أجره إلى يوم القيامة، ثم بوَّأه الله ثوابه يوم القيامة».
وأخرج البيهقي عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أن داود عليه السلام قال فيما يخاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود أحب عبادي إليّ نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءاً، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا رب إنك لتعلم إني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟! قال: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي، يا داود إنه ليس من عبد يعين مظلوماً، أو يمشي معه في مظلمته، إلا أُثَبِّتُ قدميه يوم تزل الأقدام».
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة».
وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله».
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعان ظالماً بباطل ليدحض به حقاً فقد برئ من ذمة الله ورسوله».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على خصومة بغير حق كان في سخط الله حتى ينزع».
وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن أوس بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضادّ الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال».
وأخرج البيهقي من طريق فسيلة. أنها سمعت أباها وهو واثلة بن الأسقع يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن المعصية أن يحب الرجل قومه؟ قال «لا، ولكن من المعصية أن يعين الرجل قومه على الظلم».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مشى مع قوم يرى أنه شاهد وليس بشاهد فهو شاهد زور، ومن أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع، وقتال المسلم كفر، وسبابه فسوق».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان قوماً على ظلم فهو كالبعير المتردي، فهو ينزع بذنبه». ولفظ الحاكم: «مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه».


{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شعائر الإسلام، فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاؤوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها، قالوا: هلم يا صدي فكل. قلت: ويحكم... ! إنما أتيتكم من عند من يحرِّم هذا عليكم، وأنزل الله عليه. قالوا: وما ذاك؟ قال: فتلوت عليهم هذه الآية {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير...} الآية.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قال: إذا أكل لحم الخنزير عرضت عليه التوبة، فإن تاب وإلا قتل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وما أهل لغير الله به} قال: ما أهل للطواغيت به {والمنخنقة} قال: التي تخنق فتموت {والموقوذة} التي تضرب بالخشبة فتموت {والمتردية} قال: التي تتردى من الجبل فتموت {والنطيحة} قال: الشاة التي تنطح الشاة {وما أكل السبع} يقول: ما أخذ السبع {إلا ما ذكيتم} يقول: ما ذبحتم من ذلك وبه روح فكلوه {وما ذبح على النصب} قال: النصب. إنصاب، كانوا يذبحون ويهلون عليها {وأن تستقسموا بالأزلام} قال: هي القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور {ذلكم فسق} يعني من أكل من ذلك كله فهو فسق.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس ان نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {والمنخنقة} قال: كانت العرب تخنق الشاة، فإذا ماتت أكلوا لحمها. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت امرئ القيس وهو يقول:
يغط غطيط البكر شد خناقه *** ليقتلني والمرء ليس بقتال
قال: أخبرني عن قوله: {والموقوذة} قال: التي تضرب بالخشب حتى تموت. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
يلوينني دين النهار واقتضي *** ديني إذا وقذ النعاس الرقدا
قال: أخبرني عن قوله: {الأنصاب} قال: الأنصاب. الحجارة التي كانت العرب تعبدها من دون الله وتذبح لها. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول:
فلا لعمر الذي مسحت كعبته *** وما هريق على الأنصاب من جسد
قال: أخبرني عن قوله: {وإن تستقسموا بالأزلام} قال: الأزلام. القداح كانوا يستقسمون الأمور بها، مكتوب على أحدهما أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربّي، فإذا أرادوا أمراً أتوا بيت أصنامهم، ثم غطوا على القداح بثوب فأيهما خرج عملوا به. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الحطيئة وهو يقول:
لا يزجر الطير إن مرت به سنحاً *** ولا يفاض على قدح بأزلام
وأخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، فقال: «إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الرادة التي تتردى في البئر، والمتردية التي تتردى من الجبل.
وأخرج عن أبي ميسرة أنه كان يقرأ {والمنطوحة}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قرأ {وأكيل السبع}.
وأخرج ابن جرير عن علي قال: إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة، وهي تحرك يداً أو رجلا فكلها.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأكل الشريطة فإنها ذبيحة الشيطان» قال ابن المبارك: هي أن تخرج الروح منه بشرط من غير قطع حلقوم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وما ذبح على النصب} قال: كانت حجارة حول الكعبة يذبح عليها أهل الجاهلية ويبدلونها بحجارة: إذا شاؤوا أعجب اليهم منها.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وأن تستقسموا بالأزلام} قال: سهام العرب وكعاب فارس التي يتقامرون بها.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: {الأزلام} القداح، يضربون بها لكل سفر وغزو وتجارة.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {وأن تستقسموا بالأزلام} قال: القداح، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحاً للخروج وللجلوس، فإن وقع الخروج خرجوا، وإن وقع الجلوس جلسوا.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {وأن تستقسموا بالأزلام} قال: حصى بيض كانوا يضربون بها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال: كانوا إذا أرادوا أمراً أو سفراً يعمدون إلى قداح ثلاثة، على واحد منها مكتوب أمرني، وعلى الآخر إنهني، ويتركون الآخر محللاً، بينهما عليه شيء، ثم يجيلونها، فإن خرج الذي عليه مرني مضوا لأمرهم، وإن خرج الذي عليه إنهني كفوا، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها.
وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يلج الدرجات العلى من تكهَّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيراً».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} قال: يئسوا أن ترجعوا إلى دينهم أبداً.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} يقول: يئس أهل مكة أن ترجعوا إلى دينهم، عبادة الاوثان أبداً {فلا تخشوهم} في اتباع محمد {واخشونِ} في عبادة الأوثان وتكذيب محمد، فلما كان واقفاً بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يده والمسلمون يدعون الله {اليوم أكملت لكم دينكم} يقول: حلالكم وحرامكم، فلم ينزل بعد هذا حلال ولا حرام {وأتممت عليكم نعمتي} قال: منتي فلم يحج معكم مشرك {ورضيت} يقول: واخترت {لكم الإسلام ديناً} مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية إحدى وثمانين يوماً، ثم قبضه الله إليه.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم... اليوم أكملت لكم دينكم} قال: هذا حين فعلت.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {فلا تخشوهم واخشون} قال: فلا تخشوهم أي يظهروا عليكم.
وأخرج مسلم عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم».
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة وأبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد أيس أن بعبد بأرضكم هذه، ولكنه راض منكم بما تحقرون».
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان قد يئس أن تعبد الأصنام بأرض العرب، ولكن سيرضى منكم بدون ذلك بالمحقرات، وهي الموبقات يوم القيامة، فاتقوا المظالم ما استطعتم».
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان، فلا تحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال: أخلص الله لهم دينهم، ونفى المشركين عن البيت، قال: وبلغنا أنها أنزلت يوم عرفة، ووافقت يوم جمعة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، يوم جمعة حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، وأخلص للمسلمين حجهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً، فلما نزلت براءة فنفي المشركون عن البيت الحرام، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، فكان ذلك من تمام النعمة، وهو قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال: تمام الحج، ونفي المشركين عن البيت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم} على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات، وقد أطاف به الناس، وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم، واضمحل الشرك، ولم يطف بالبيت عريان، ولم يحج معه في ذلك العام مشرك، فأنزل الله: {اليوم أكملت لكم دينكم}.
وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي قال: نزل على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهو بعرفة {اليوم أكملت لكم دينكم} وكان إذا أعجبته آيات جعلهن صدر السورة، قال: «وكان جبريل يعلم كيف ينسك».
وأخرج الحميدي وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والبيهقي في سننه عن طارق بن شهاب قال: «قالت اليهود لعمر: إنكم تقرأون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: وأي آية؟ قالوا {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} قال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة، في يوم جمعة».
وأخرج اسحاق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد عن أبي العالية قال: كانوا عند عمر فذكروا هذه الآية، فقال رجل من أهل الكتاب: لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً. فقال عمر: الحمد لله الذي جعله لنا عيداً، واليوم الثاني نزلت يوم عرفة، واليوم الثاني يوم النحر، فأكمل لنا الأمر، فعلمنا أن الأمر بعد ذلك في انتقاص.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير «عن عنترة قال: لما نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم} وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك؟!» قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل فإنه لا يكمل شيء قط إلا نقص. فقال: «صدقت».
وأخرج ابن جرير عن قبيصة بن أبي ذؤيب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه، فقال عمر: وأي آية يا كعب؟ فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} فقال عمر: لقد علمت اليوم الذي أنزلت، والمكان الذي نزلت فيه، نزلت في يوم جمعة، ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد.
وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير والطبراني والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم} فقال يهودي: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيداً. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: في يوم جمعة، يوم عرفة.
وأخرج ابن جرير، عن عيسى بن حارثة الأنصاري، قال: كنا جلوساً في الديوان فقال لنا نصراني: يا أهل الإسلام، لقد أنزلت عليكم آية لو أنزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيداً، ما بقي منا اثنان {اليوم أكملت لكم دينكم} فلم يجبه أحد منا، فلقيت محمد بن كعب القرظي فسألته عن ذلك، فقال: ألا رددتم عليه؟ فقال: قال عمر بن الخطاب: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الجبل يوم عرفة، فلا يزال ذلك اليوم عيداً للمسلمين ما بقي منهم أحد.
وأخرج ابن جرير عن داود قال: قلت لعامر الشعبي ان اليهود تقول كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه؟ فقال عامر: أو ما حفظته؟. قلت له: فأي يوم هو؟ قال: يوم عرفة، أنزل الله في يوم عرفة.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن علي قال: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة {اليوم أكملت لكم دينكم}.
وأخرج ابن جرير والطبراني عن عمرو بن قيس السكوني. أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينزع بهذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم} حتى ختمها. فقال: نزلت في يوم عرفة في يوم جمعة.
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه عن سمرة قال: نزلت هذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم} على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بعرفة واقف يوم الجمعة.
وأخرج البزار بسند صحيح عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة {اليوم أكملت لكم دينكم}.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس قال: ولد نبيكم يوم الاثنين، ونبأ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين {اليوم أكملت لكم دينكم} وتوفي يوم الاثنين.
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: «لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم فنادى له بالولاية، هبط جبريل عليه بهذه الآية {اليوم أكملت لكم دينكم}».
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان يوم غدير خم وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه. فأنزل الله: {اليوم أكملت لكم دينكم}».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} قال: هذا نزل يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حرام ولا حلال، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات، فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة، فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن فبركت، فأتيته فسجيت عليه برداً كان عليّ.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية احدى وثمانين ليلة قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم}.
أما قوله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال: «ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم إلى الخير حتى يجيء الإسلام فيقول: رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول: إياك اليوم أقبل وبك اليوم أجزي».
وأخرج أحمد عن علقمة بن عبدالله المزني قال: حدثني رجل قال: كنت في مجلس عمر بن الخطاب فقال عمر لرجل من القوم: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الإسلام بدأ جذعاً، ثم ثنياً، ثم رباعياً، ثم سدسياً، ثم بازلاً» قال عمر: فما بعد البزول إلا النقصان.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فمن اضطر} يعني إلى ما حرم مما سمي في صدر هذه السورة {في مخمصة} يعني مجاعة {غير متجانف لإثم} يقول: غير معتدٍ لإثم.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {في مخمصة} قال: في مجاعة وجهد. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت الاعشى وهو يقول:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم *** وجاراتكم غرتي يبتن خمائصا
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم} قال: في مجاعة غير متعرض لإثم.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: رخص للمضطر إذا كان غير متعمد لإثم أن يأكله من جهد، فمن بغى، أو عدا، أو خرج في معصية الله، فإنه محرم عليه أن يأكله.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا الميتة؟ قال: «إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بقلاً، فشأنكم بها».
وأخرج ابن سعد وأبو داود عن الفجيع العامري. أنه قال: «يا رسول الله، ما يحل لنا من الميتة؟ فقال: ما طعامكم؟ قلنا: نغتبق ونصطبح. قال عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية. قال: ذاك. وأبى الجوع، وأحل لهم الميتة على هذه الحال» وأخرج الحاكم وصححه عن سمرة بن جندب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رويت أهلك من اللبن غبوقاً فاجتنب ما نهى الله عنه من ميتة».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8